أركان النكاح بين نظرية السني والشيعي


قدمها : لبيب شــوقـــي

النـــــكــــاح

(حول أركان النكاح بين نظرية السني والشيعي)



1. أحكام النكاح

النكاح لغة: الضم والتداخل ويستعمل في الوطء وفي العقد قيل مجاز من إطلاق اسم المسبب على السبب وقيل إنه حقيقة فيهما وهو مراد من قال إنه مشترك فيهما وكثر استعماله في العقد فقيل إنه فيه حقيقة شرعية ولم يرد في الكتاب العزيز إلا في العقد[1]

وقال الشربيني هو لغة الضم والجمع ومنه تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض، وشرعا عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمة، والعرب تستعمله بمعنى العقد والوطء جميعا لكنهم إذا قالوا نكح فلان فلانة أو بنت فلان أو أخته أرادوا تزوجها وعقد عليها وإذا قالوا نكح زوجته أو امرأته لم يريدوا إلا المجامعة، قال الثعلبي وقال ابن القطان له ألف اسم وقال علي بن جعفر اللغوي له ألف وأربعون اسما، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى وسيأتي ما يدل لذلك.

ولأصحابنا في موضوعه الشرعي ثلاثة أوجه أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء كما جاء به في القرآن والأخبار ولا يرد على ذلك قوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } لأن المراد العقد والوطء مستفاد من خبر الصحيحين حتى تذوقي عسيلته. والثاني أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وبه قال أبو حنيفة وهو أقرب إلى اللغة والأول أقرب إلى الشرع . وقال الزمخشري وهو من علماء الحنفية لم يرد النكاح في القرآن إلا بمعنى العقد لأن كونه بمعنى الوطء من باب التصريح ومن أراد به الكناية عنه أتى بلفظ الملامسة أو المماسة.[2]

والحديث المشهور في النكاح، ما رواه عن عبد الله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"

تتعلق هذه الحديث بالترغيب في النكاح وبأفضليته، وسبب ذلك معروف: أولاً: الله سبحانه وتعالى جعل في البشر شهوة وميلاً إلى هذا النكاح، وجعل ذلك سبباً لبقاء النوع البشري والجنس الإنساني، فجعل في الرجل شهوة تدفعه إلى المرأة، وجعل في المرأة أيضاً شهوة تدفعها إلى الرجل، وجعل بين الزوجين مودةً ورحمة، كما أخبر بذلك في قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم:21].

وكثيراً ما يخبر الله تعالى بأنه خلق الأزواج لنسكن إليها، فأول ما خلق الله حواء لآدم قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [الأعراف:189]، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً } [النساء:1]، خلق الله زوج آدم من ضلع من أضلاعه ليسكن إليها، فلما وجد منها الأولاد بعد ذلك صاروا يتوالدون فيما بينهم، ثم بعد أن حصلت منهم هذه الولادة حرم نكاح الأخ لأخته بعد أولاد آدم، وأصبح النكاح فيما بينهم مشروعاً، فهذه سنة الله تعالى.

ولا شك -أيضاً- أن الزواج قد يكون ضرورياً وواجباً، وذكر العلماء أن الزواج قد تتعلق به أكثر الأحكام، فيجب تارةً، ويسن تارةً، ويكره تارة، ويحرم تارة، فيقولون: إذا كان الإنسان قوي الشهوة يخشى على نفسه أن يقع في الفاحشة ويقدر على مئونة النكاح فإنه يجب عليه، فإذا لم يفعل فإنه يأثم، وذلك لأنه ترك واجباً، ولأنه إذا لم يفعل فلا بد أن يقع منه الحرام الذي هو الزنا أو مقدمات الزنا، والشيء الذي يوقع في الحرام يجب أن يبتعد عنه.

فمن خاف على نفسه الزنا وكان قادراً قلنا: واجب عليك أن تتزوج، أما من لم يخف على نفسه ولكن عنده قوة وشهوة، وهو مع ذلك يملك نفسه ويقدر على إقناعها فهذا مستحب في حقه، ولكن لا يصل إلى حد الوجوب.

فالحديث الأول قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام؛ فإنه له وجاء ).


وَالنِّكَاحُ بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ مُسْتَحَبٌّ لِتَائِقٍ لَهُ بِتَوَقَانِهِ لِلْوَطْءِ إنْ وَجَدَ أُهْبَتَهُ مِنْ مَهْرٍ وَكُسْوَةِ فَصْلِ التَّمْكِينِ وَنَفَقَةِ يَوْمِهِ تَحْصِينًا لِدِينِهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَمْ لَا ، فَإِنْ فَقَدَ أُهْبَتَهُ فَتَرْكُهُ أَوْلَى وَكُسِرَ إرْشَادًا تَوَقَانُهُ بِصَوْمٍ

و ذَكَرَ الشَّارِحُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَحْكَامٍ : الِاسْتِحْبَابُ لِلتَّائِقِ الْوَاجِدِ وَلَيْسَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَالْكَرَاهَةُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ الْفَاقِدِ لِلْأُهْبَةِ أَوْ بِهِ عِلَّةٌ وَكَوْنُهُ خِلَافَ الْأَوْلَى إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ، وَفَقْدُ الْأُهْبَةِ وَكَوْنُهُ أَوْلَى إنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَلَمْ يَتَخَلَّ لِلْعِبَادَةِ .

وَزَادَ الرَّمْلِيُّ الْوُجُوبَ إنْ خَافَ الْعَنَتَ وَتَعَيَّنَ طَرِيقًا وَوَجَدَ الْأُهْبَةَ وَالْإِبَاحَةَ ، كَمَا إذَا أُرِيدَ مُجَرَّدُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ ؛ وَلِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَأَمَّا حُرْمَتُهُ فَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَيَحْرُمُ لِمَنْ عَلِمَتْ مِنْ نَفْسِهَا عَدَمَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَلَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ .[3]

فالنداء هنا للشباب، وخصهم لأنهم غالباً أقوى شهوة، ولأن غريزة الشهوة الجنسية فيهم تدفعهم إلى فعل الفاحشة أو إلى مقدماتها، ولأنهم أقل تجربة أو أقل معرفة أو أقل تأثراً، فلأجل ذلك يؤكد على الشباب يؤكد عليهم في الزواج المبكر ويرغبهم فيه.

والشباب يكون ما بين العاشرة إلى الثلاثين سنة، أما ما قبل العاشرة فإنه صبي أو غلام، فإذا بلغ العاشرة سمي شاباً حتى سن الثلاثين، ثم من بعدها يصير كهلاً إلى الستين، ثم يبدأ بالشيخوخة بعد الستين.

ومعلوم أن هذه السن التي بين البلوغ وبين الثلاثين سنة أن الشاب فيها عنده قوة الشهوة وقوة الغلمة والشبق الذي يكون غالباً يدفعه ويندفع به، فلأجل ذلك يؤكد عليه أن يتزوج في هذه السن حتى يحفظ نفسه.

والباءة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم هي مئونة النكاح، وليست الباءة الشهوة؛ لأنه لو لم يكن له شهوة لم يحتج إلى ما يهونها أو يخففها، بل الباءة هي مئونة النكاح، يعني: من استطاع منكم مئونة النكاح كالمهر والنفقة والسكنى والحاجات التي يتطلبها إذا كان متزوجاً وما أشبه ذلك.

فهذه تسمى (باءة) من المباءة التي هي التبوء، يقال: تبوء منزلاً مباءة. وباء بكذا بمعنى: حصل عليه. بمعنى أن من قدر منكم على المهر وعلى التكلفة وعلى النفقة وعلى التأثيث وعلى السكنى فإن عليه أن لا يتأخر عن الزواج، سواء أكانت قدرته من نفسه أم من ولي أمره الذي يتولى أمره كأبيه أو وصيه أو نحو ذلك، فليبادر بالزواج.

للنكاح فائدتين : الأولى: غض البصر. والثانية: تحصين الفرج.

الأول : غض البصر يعني خفضه عن النظر إلى النساء، وذلك لأنه إذا كان متزوجاً فإنه في الأصل يقتصر على النكاح الحلال، يقتصر على زوجته ولا ينظر إلى غيرها، وأما إذا لم يكن كذلك فإنه في الغالب يهوى أن ينظر ويقلب نظره، ومعلوم أن تقليب النظر في النساء يورث الفتنه، فكم نظرة أورثت حسرة، فلأجل ذلك أمر الله بغض البصر، قال تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [النور:30].

فالزواج سبب في غض البصر، فالمرأة تغض بصرها فلا تنظر إلا إلى زوجها، والرجل يغض بصره لا ينظر إلا إلى زوجته، فيحصل بذلك مصلحة للطرفين، وأما مع عدمه فإن النظر قد يجره إلى ما وراءه، ولأجل ذلك ورد في الحديث: ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس )، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: ( اصرف بصرك ) يعني: إذا نظرت نظر فجأة من دون قصد فلا تتمادى بل اصرف بصرك، وقال في حديث آخر: ( يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ).

الفائدة الثانية: تحصين الفرج، ومعناه: حفظه عن فعل الفاحشة التي هي الزنا ونحوه. فقوله صلى الله عليه وسلم: (وأحصن للفرج) فيه حث أيضاً على حفظ الفرج عن الحرام. التحصين أصله: الحفظ، ومنه قوله تعالى: { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [التحريم:12] يعني: حفظته. ومنه سميت المحصنات في قوله تعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ } [النساء:24] وقوله تعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } [المائدة:5] أي: المحصنات اللاتي أحصن أنفسهن وحفظن فروجهن.

فلا شك أن الإنسان المؤمن إذا رزقه الله امرأة حلالاً اقتصر عليها وحفظ فرجه ولم يتعد إلى غيرها وكان معه إيمان يمنعه، أما إذا كان ضعيف الإيمان فإنه قد لا يقنع بما أباح الله له، ويشاهد في هذه الأزمنة كثير من الناس -والعياذ بالله- يكون عند أحدهم زوجة حلال ولكنه لا يقنع بزوجته، فتراه يذهب إلى الأسواق ومجتمعات النساء ويعاكس هذه ويغازل هذه ويتكلم مع تلك.[4]

2. أركان النكاح

أ. عند السنّي

أركان النكاح خَمْسَةٌ وَهِيَ : صِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ وَزَوْجٌ وَوَلِيٌّ وَهُمَا الْعَاقِدَانِ ، وَشَاهِدَانِ. وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَّا بِوَلِيٍّ أَوْ مَأْذُونِهِ أَوْ الْقَائِمِ مُقَامَهُ كَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ عَضْلِهِ أَوْ إحْرَامِهِ وَ حُضُورِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا : { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } وَالْمَعْنَى فِي إحْضَارِ الشَّاهِدَيْنِ الِاحْتِيَاطُ لِلْأَبْضَاعِ وَصِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عَنْ الْجُحُودِ . وَيُسَنُّ إحْضَارُ جَمْعٍ زِيَادَةً عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ .

وَشَاهِدَانِ، عَدَّهُمَا رُكْنًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِشَرْطٍ دُونَ الْآخَرِ ، بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْآخَرِ ؛ وَجَعَلَهُمَا ابْنُ حَجَرٍ رُكْنًا وَاحِدًا لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِمَا فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا ع ش عَلَى م ر . والِوَلِيٍّ لَمْ يَقُلْ عَدْلٌ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ يُزَوِّجُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَلَا فَاسِقًا ، كَمَا إذَا تَابَ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ لِعَدَمِ الْمَلَكَةِ الْمَذْكُورَةِ ، فَالشَّرْطُ فِيهِ عَدَمُ الْفِسْقِ .[5]

وقال الصنعاني في كتابه ما رواه عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد والأربعة وصححه ابن المديني والترمذي وابن حبان وأعله بإرساله قال ابن كثير قد أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث إسرائيل وأبو عوانة وشريح القاضي وقيس بن الربيع ويونس بن أبي إسحاق وزهير بن معاوية كلهم عن أبي إسحاق كذلك قال الترمذي ورواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق مرسلا قال والأول عندي أصح هكذا صححه عبد الرحمن بن مهدي فيما حكاه ابن خزيمة عن أبي المثنى عنه وقال علي بن المديني حديث إسرائيل في النكاح صحيح وكذا صححه البيهقي وغير واحد من الحفاظ قال ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن جابر مرفوعا قال الحافظ الضياء بإسناد رجاله كلهم ثقات.

والحديث دل على أنه لا يصح النكاح إلا بولي لأن الأصل في النفي نفي الصحة لا الكمال والولي هو الأقرب إلى المرأة من عصبتها دون ذوي أرحامها واختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح فالجمهور على اشتراطه وأنها لا تزوج المرأة نفسها وحكى عن ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك وعليه دلت الأحاديث وقال مالك يشترط في حق الشريفة لا الوضيعة فلها أن تزوج نفسها وذهبت الحنفية إلى أنه لا يشترط مطلقا محتجين بالقياس على البيع فإنها تستقل ببيع سلعتها وهو قياس فاسد الاعتبار إذ هو قياس مع نص ويأتي الكلام في ذلك مستوفى في شرح حديث أبي هريرة لا تزوج المرأة المرأة الحديث وقالت الظاهرية يعتبر الولي في حق البكر لحديث "الثيب أولى بنفسها" وسيأتي ويأتي أن المراد منه اعتبار رضاها جمعا بينه وبين أحاديث اعتبار الولي وقال أبو ثور للمرأة أن تنكح نفسها بإذن وليها لمفهوم الحديث الآتي.

وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجاروا فالسلطان ولي من لا ولي له" أخرجه الأربعة إلا النسائي وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم قال ابن كثير وصححه يحيى بن معين وغيره من الحفاظ.

قال أبو ثور فقوله "بغير إذن وليها" يفهم منه أنه إذا أذن لها جاز لها أن تعقد لنفسها وأجيب بأنه مفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق باشتراطه واعلم أن الحنفية طعنوا في هذا الحديث بأنه رواه سليمان بن موسى عن الزهري وسئل الزهري عنه والذي روى هذا القدح هو إسماعيل بن علية القاضي عن ابن جريج الراوي عن سليمان أنه سأل الزهري عنه أي عن الحديث فلم يعرفه وأجيب عنه بأنه لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم عليه لا سيما وقد أثنى الزهري على سليمان بن موسى وقد طال كلام العلماء على هذا الحديث واستوفاه البيهقي في السنن الكبرى.

وقول الحديث "فإن اشتجاروا" عائد إلى الأولياء الدال عليهم ذكر الولي والسياق والمراد بالاشتجار منع الأولياء من العقد عليها وهذا هو العضل وبه تنتقل الولاية إلى السلطان إن عضل الأقرب وقيل بل تنتقل إلى الأبعد وانتقالها إلى السلطان مبني على منع الأقرب الأبعد وهو محتمل ودل على أن السلطان ولي من لا ولي لها لعدمه أو لمنعه. ومثلهما غيبة الولي ويؤيد حديث الباب ما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا "لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له" وإن كان فيه الحجاج بن أرطاة فقد أخرجه سفيان في جامعة ومن طريقة الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن ابن عباس بلفظ " لا نكاح إلا بولي مرشد أو سلطان" ثم المراد بالسلطان من إليه الأمر جائرا كان أو عادلا لعموم الأحاديث القاضية بالأمر لطاعة السلطان جائرا أو عادلا وقيل بل المراد به العادل المتولي لمصالح العباد لا سلاطين الجور فإنهم ليسوا بأهل لذلك.[6]

ومن هذا البيان، يعلم بأن الشافعية يعتبر وجود الولي والشاهدين في أركان النكاح، ولا بد من وجودهما.

بــ . نظرية الشّيعة

لا يعد الشيعة الإمامية، بأن وجود الولي والبينة ركنٌ من أركان النكاح، وقال أكثر الإمامية : ان البالغة الرشيدة تملك ببلوغها ورشدها جميع التصرفات من العقود وغيرها حتى الزواج بكراً كانت أو ثيباً، فيصح ان تعقد لنفسها ولغيرها مباشرة وتوكيلاً ايجاباً وقبولاً، سواء أكان لها أب أو جد أو غيرها من العصبات أو لم يكن، وسواء رضي الأب أو كره، وسواء كانت رفيعة أو وضيعة، تزوجت بشريف او وضيع، وليس لأحد كائناً من كان أن يعترض، فهي تماماً كالرجل دون أي فرق. واستدلوا على ذلك بالقرآن : ( ولا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن). وبالحديث عن ابن عباس عن النبي : ( الأيم أحق بنفسها من وليها ). والأيم من لا زوج له رجلاً كان أو امرأةً بكراً كانت أو ثيباً. واستدلوا أيضاً بالعقل حيث يحكم بأن لكل إنسان الحرية التامة بتصرفاته، وليس لغيره أي سلطان عليه قريباً كان أو بعيداً. وقد أحسن ابن القيم في قوله : ( كيف يجوز للأب ان يزف ابنته بغير رضاها الى من يريده هو، وهي من أكره الناس فيه، وهو أبغض شيئ اليها، ومع هذا ينكحها اياه قهراً، ويجعلها أسيرة عنده.[7]

ولقد جاء عن اهل البيت روايات كثيرة اطلقت الحرية في الزواج للبالغة الرشيدة، وتركت لها أن تختار من تشاء من الأزواج. منها ما رواه الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبان بن عثمان، عن أبي مريم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الجارية البكر التي لها أبٌ لا تتزوج إلا بإذن أبيها وقال : إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متي شائت.[8] وقول الإمام الصادق عليه السلام : لا بأس بتزويج البكر اذا رضيت من غير اذن أبيها. وهذه الرواية صريحة في استقلال البكر بالتزويج بمن تشاء، وبالأولى الثيب، قال الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب : ان هذه الرواية لا تفبل التقييد.

ومثلها في الصراحة ما رواه الحلبي عن الإنان الصادق عليه السلام، حيث سأله عن المتعة في البكر؟ قال لا بأس. قال الشيخ الأنصاري : ان أخبار الجواز بالمتعة من غير ولي تدل علي الجواز في الدائم بالأولية، وقال : لقد استقرت مذهب الفقهاء الإمامية علي عدم القول بالفصل بين المتعة والدوام. وعليه فإذا صح زواجها متعة بلا ولي صح دواماً كذالك.[9]

وكما قال الإمامية بجواز النكاح بغير الولي، يجوز النكاح بغير البينة او الشهيد، وذالك لما ورد من الروايات الكثيرة، منها : ما رواه علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذيبة، عن زرارة بن أعين قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل بتزوّج المرأةبغير شهود فقال : لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله إنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد لولا ذلك لم يكن به بأس.[10]

وما روي عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحي عن عبد الله بن محمد ، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنما جعلت البينات للنسب والمواريث. وقال : وفي رواية أخري "والحدود".[11]

من هنا نعلم، بأن الإمامية لا يشترط وجود الولي والشاهدين في نكاح البالغة الرشيدة, لأنها مالكة في تصرفاتها حتي فى النكاح. فتختار من تشاء وتمنع من تشاء.

3. الإختتام

هذا ما بحثنا فى مقالتنا القصيرة، وما بحثنا هنا بعيد عن الكمال في البحث والأيضاح. ولكن نرجوا بما فعلنا وبحثنا فى هذه المقالة القصيرة، ستكونَ إرشاداً وإعلاماً لنا لتكون حياتُنا سعادةً و مرضاةً لله تعالى. آمين.

-------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] . محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني الصنعاني، سبل السلام، (مكتبة مصطفى البابي الحلبي، هـ/ 1960م)، ج 3، ص 109

[2] . محمد الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (بيروت : دار الفكر)، ج 3، ص 123

[3] . حاشية البجيرمي على الخطيب، ص 25

[4] . عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين، شرح عمدة الأحكام، (دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية)، ص 3

[5] . حاشية البجيرمي على الخطيب، ص 118

[6] . محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني الصنعاني، سبل السلام، (مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الرابعة 1379هـ/ 1960م)، ص 117-118

[7] . محمد جواد مغنية، الفقه على المذاهب الخمسة، ( الطبعة السابعة، 1960)،ص 322

[8] . أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، فروع الكافي،(دار الأضواء)، ج 5، ص 393

[9] . محمد جواد مغنية، فقه الإمام جعفر الصادق، (إيران : مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر)، جز 5، ص 230

[10] . أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، فروع الكافي،(دار الأضواء)، ج 5، ص 389

[11] . محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشريعة إلي تحصيل مسائل الشريعة، (بيروت : إحياء التراث العربي)، ج 14، ص 67

Komentar

Postingan Populer